خالد محى الدين
كتب اللواء : عبد الرحمن راشد
خالد محيي الدين
(لا يكفي ان يطالب الشعب بالتغيير , ولكنه عليه ان يتحرك من أجله )
خالد محيي الدين
ألا ترون ان ما سطره خالد محيي الدين هو ما تحقق في ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 ضد حكم جماعة الاخوان المسلمين حينما طالب الشعب بالتغيير وتحرك الشعب من أجل ذلك, بمساندة القوات المسلحة ونجاح هذه الثورة المباركة .
تمر الذكري السنوية الرابعة علي رحيل فقيد الوطن خالد الذكر الزعيم الوطني خالد محيي الدين ,عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو سنة 1952 واخر الضباط الأحرار الذي رحل عن عالمنا في السابع من مايو 2018 .
تمكن خالد محيي الدين من الجمع بين نموذج الرجل العسكري صاحب الوطنية والنزاهة , وكذلك المعارض السياسي ذو الشجاعة والموضوعية , بالاضافة الي كونه صاحب المواقف الثابتة والمنصفة للمواطن البسيط والضعيف بالمجتمع والجميع من الفئات الكادحة من العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود .
وصفه الرئيس أنور السادات بالصاغ الأحمر, في اشارة الي توجهاته اليسارية – في عام 1954 استقال من مجلس قيادة الثورة علي أثر الخلاف مع جمال عبد الناصر واعضاء المجلس, بسبب موقفه من عدم عودة الضباط الاحرار الي معسكراتهم وترك الحكم للاحزاب السياسية المدنية المنتخبة , وفقا لما وعد به مجلس الثورة وتماشيا مع مبادئ الديموقراطية .
– واّثر خالد محيي الدين الابتعاد الي سويسرا بعض الوقت ,وبعد عودته الي مصر ترشح في انتخابات مجلس الأمه عن دائرة كفر شكر 1957 وفاز في الانتخابات , ثم أسس أول جريدة مسائية وهي جريدة المساء , وتولي رئاسة مجلس ادارة تحرير أخبار اليوم خلال أعوام 64 و65 ,وهو أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي ,ورئيس منطقة الشرق الاوسط لمجلس السلام ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح .
كلفه جمال عبد الناصر بالتفاوض باسم مصر مع دول شرق أسيا الاشتراكية ,وتحقق له نجاح كبير في هذا الملف , حيث ساهم في توطيد علاقات مصر مع المعسكر الشرقي .
ويذكر انه رفض السفر مع الرئيس السادات الي تل أبيب للمشاركة في عملية السلام المنفرد بين مصر واسرائيل ,وطالب السادات بأن تكون المفاوضات في جينيف بسويسرا وليس في تل ابيب وبمشاركة عربية واسعة دون انفراد مصر بذلك .
أسس حزب التجمع الوحدوي ودخل مع السادات عام 77 في خلاف بسبب السياسات الاقتصادية للانفتاح الاقتصادي وفقا للرغبة الغربية والامريكية .
ظل عضوا في مجلس الشعب بدائرة كفر شكر طيلة خمسة عشر عاما من 1990 حتي 2005, وكان يفوز علي منافسيه في هذه الانتخابات بنسبة مئوية عالية جدا من الاصوات.
حصل علي العديد من الجوائز والنياشين المحلية والدولية ورحل عن عالمنا في 14 مايو 2018 عن عمر يبلغ 96 عاما بعد صراع مع المرض .
وقد نعت رئاسة الجمهورية خالد محيي الدين في بيان رسمي جاء فيه: انه كان رمزا من رموز العمل الوطني في البلاد منذ اشتراكه في ثورة يوليو 1952 وتأسيسه لحزب التجمع الوطني 76 .
ذكرياتي مع خالد محيي الدين
تخرجت من كلية الشرطة عام 73 وعملت ضابطا صغيرا بمركز كفر شكر برتبة ملازم لم أتجاوز حينها سن 21 عاما , وكان لي الحظ أن أتعامل مع رموز السياسة والحكم ,الأستاذ خالد محيي الدين والسيد زكريا محيي الدين, والدكتور فؤاد محيي الدين ,والدكتور صفوت محيي الدين, ونجله الصغير الدكتور محمود محيي الدين ,كذا أتعامل مع صفوة المجتمع من اساتذة السياسة والجامعات والحكم :الدكتور مصطفي خليل , والدكتور اسماعيل صبري عبدالله, والدكتور ابراهيم حلمي عبد الرحمن ,والدكتور أبو زيد رضوان , وغيرهم وغيرهم من أقطاب السياسة والحكم والمحافظين والوزارء وأساتذة الجامعات مما أثقل خبرتي في الحياة السياسية والاجتماعية وجعلني مميزا بين زملائي في هذا الشأن.
كان الاستاذ خالد محيي الدين (والذ كان يلقبه أهالي كفر شكر بالريس )يحضر لمدينة كفر الشكر نهاية كل أسبوع,
ويتقابل مع جموع المواطنين مناصريه ومعارضيه بالمضيفة الخاصة بأل محيي الدين ( التاختبوش )ويقوم بأداء مصالحهم وحل مشاكلهم والحوار معهم في حاضر و مستقبل البلاد , كما كان قريبا منهم علي مختلف أطيافهم وانتماءاتهم, ودائما ما يقوم في شهر رمضان بتقسيم قري المركز ومراكز المحافظة الي أيام, لزيارة أهلها طوال الشهر . كما اعتاد ايضا علي اقامة حفلات دينية وفنية وأدبية علي مدار العام ,يحضرها رموز السياسة والفن والأدب والثقافة ورجال الصحافة والاعلام والدين وجماهير غفيرة من أنحاء مصر , وكنت احضر هذه اللقاءات والاحتفالات , وتعلمت منها أصول الادارة والسياسة وكيفية التعامل مع المواطنين وحل مشاكلهم في اطار من القانون وصالح الوطن .
كما قام خالد محيي الدين عام 76 بانشاء أول نادي رياضي بمدينة كفر شكر وساعد في تأسيسه وفقا لاعلي مستوي من الملاعب المتعددة والصالات المغطاه والمدرجات والحمامات كما اسهم في تطوير مدينة كفر شكر وتزويدها بالكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي ومستشفي مركزي وتمهيد الطرق بين غالبية القري .
كما ساعد خالد محيي الدين العاملين بدولة العراق للعودة الي بلادهم أثناء حرب العراق والكويت سنة 1990 مع استعادة جميع أموالهم وذلك لصلته الطيبة بمؤسسة الحكم بالعراق, حيث كان له الفضل من قبل في تسفير الاف العمال المصريين للعمل بالعراق قبل اندلاع الحرب . كما كان له الفضل أيضا في تسفير العديد من العمال المصريين للعمل بدولة ليبيا الشقيقة .
أشهد ان خالد محيي الدين كان صاحب مدرسة اخلاقية للمعارضة الوطنية ,التي تعمل لصالح البلاد وكان يستمسك بالدستور والقانون
والقيم العليا واعلاء صالح الوطن دون النظر الي تحقيق مكاسب حزبية أو شخصية .
أشهد انه كان نصيرا للضعفاء والمظلومين وكان يقوم بتوكيل كبار المحامين لمناصرتهم علي حسابه الخاص لنيل حقوقهم أمام القضاء و الدفاع عن البريء منهم حتي لا يظلم أحد .
لا يخشي في الله لومة لائم , ولا يخشي سطوة الحكم ورجاله ,ويدافع عما يؤمن به من مبادئ الانصاف والعدالة ,دون خوف أو تردد .
أشهد انه كان معارضا وطنيا, حتي في أحلك الظروف التي تعرض لها في انتخابات مجلس الشعب في منتصف السبعينات وعام 2005 وخروجه من البرلمان( الانتخابات التي فاز فيها مرشح الاخوان ) فتقبل الأمر بحكمة وبصدر رحب ومنع أنصاره من التظاهر والتجمهر من اي رد فعل عنيف أو تخريبي , خوفا علي أمن واستقرار البلاد , بل دعاهم الي الهدوء قائلا لهم (ان الوطن العزيز يمر بظروف صعبة وحرجة وغير طبيعية وعلينا الحفاظ علي أمنه واستقراره ).
في احدي ليالي عام 76 استدعاني الاستاذ خالد محيي الدين الي منزله الذي كان يقع امام مركز الشرطة الذي أعمل به في هذا الوقت رئيسا لمباحث المركز, وأبلغني بأنه تقابل بالأمس مع الرئيس السادات ,والذي أخبره بأنه بصدد اصدار قرارا بانشاء ثلاثة منابر
لليمين واليسار والوسط وانه اختاره رئيسا لمنبر اليسار ومصطفي كامل مراد رئيسا لمنبر اليمين و ممدوح سالم لمنبر الوسط ,وذلك تمهيدا لتحويل هذه المنابر الي احزاب سياسية كما قال له الرئيس السادات.
واضاف انه قد وافق علي رئاسة منبر اليسار (الذي تحول فيما بعد الي حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي) .
وقال لي الأستاذ خالد في ذلك الوقت بالحرف الواحد (اتمني ان يكون السادات صادقا في هذا الوعد وانا علي استعداد لمساعدته في السير لطريق الديموقراطية ) .
تعلمت منه الكثير والكثير واستمرت علاقتي به كتلميذ واستاذ مدة زمنية طويلة, كانت مليئة بالتقدير والاحترام والحب والمحبة من التلميذ لاستاذه.
خالد محيي الدين قامة وطنية صادقة مؤمنه بالله وتعاليم الدين ومحبة للوطن ولشعب مصر من العمال والفلاحين والكادحين ,ومناضل من اجل صالح الوطن العزيز في الداخل والخارج مهما كانت الظروف والتحديات, وكان زعيما وطنيا مثالا للأمانة والنزاهة والشرف والمعارضة الوطنية المخلصة .
رحم الله فقيد الوطن خالد الذكر خالد محيي الدين