حرب أكتوبر: عندما حطّم المصريون أسطورة الجيش الذي لا يُقهر

كتبت: خلود طارق
تظل حرب أكتوبر 1973 واحدة من أعظم محطات التاريخ المصري والعربي، حيث نجحت مصر في قلب موازين القوى، واستعادة الثقة للأمة بأسرها. لم تكن مجرد معركة عسكرية بين جيشين، بل كانت ملحمة وطنية شاملة أعادت لمصر مكانتها التاريخية كقلب العروبة النابض، ورسخت فكرة أن الإرادة الوطنية قادرة على صنع المستحيل.
الطريق إلى النصر: من الهزيمة إلى الصمود
بعد نكسة يونيو 1967 واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء والجولان، بدا أن العدو متفوق عسكرياً، لكن القيادة المصرية اختارت طريق الإعداد الطويل.
ـ بدأت حرب الاستنزاف (1968 – 1970)، التي أنهكت إسرائيل ورفعت خبرة المقاتل المصري.
ـ أعيد بناء القوات المسلحة بشكل شامل في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واستكملها الرئيس أنور السادات بخطة دقيقة للعبور.
ـ اعتمدت مصر على خطة خداع استراتيجي محكمة، شملت تدريبات مكثفة على العبور وإيهام إسرائيل بأن مصر غير مستعدة للحرب.
الشرارة الأولى: الضربة الجوية في السادس من أكتوبر
في الثانية ظهراً من يوم السادس من أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان)، انطلقت أكثر من 200 طائرة مقاتلة مصرية في هجوم مباغت على مراكز القيادة الإسرائيلية في سيناء. هذه الضربة الجوية حققت عنصر المفاجأة، وأربكت العدو، وكانت إشارة البدء لأعظم عملية عبور في التاريخ الحديث.
العبور العظيم وتدمير خط بارليف
بدأت القوات المصرية عبور قناة السويس بخطة دقيقة اعتمدت على القوارب المطاطية والكباري العائمة. وفي مشهد أدهش العالم، استخدم الجنود المصريون خراطيم المياه لهدم خط بارليف الحصين في ست ساعات فقط.
هذا الإنجاز العسكري وصفه الخبراء بأنه “معجزة عسكرية”، لأنه حطم أسطورة خط الدفاع الإسرائيلي الذي قيل إنه لا يُقهر.
عرض بالتسلسل الزمني والمنطقي لأحداث المعركة وبطولات القوات المسلحة المصرية
ـ القوات الجوية: بدأت المعركة بالضربة الجوية الأولى يوم 6 أكتوبر، حيث دمرت مراكز القيادة والسيطرة ومطارات العدو ومواقعه الحيوية.
ـ قوات المدفعية: أطلقت تمهيداً نيرانياً هائلاً على طول خط بارليف، ساعد في إضعاف دفاعات العدو قبل العبور.
ـ المشاة: اقتحموا التحصينات شرق القناة، ورفعوا العلم المصري على مواقع العدو.
ـ الهندسة العسكرية: قامت بفتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام خراطيم المياه، وأقامت الكباري والمعديات لعبور الدبابات والمدرعات.
ـ سلاح المدرعات: خاض معارك شرسة مثل معركة المزرعة الصينية، التي أصبحت نموذجاً للصمود والتضحية.
ـ الدفاع الجوي: شكّل “حائط الصواريخ” الذي أسقط مئات الطائرات الإسرائيلية، وغيّر موازين القوى الجوية.
ـ قوات الصاعقة: تسللت خلف خطوط العدو، نفذت عمليات نوعية، قطعت طرق الإمداد، وزرعت الألغام في عمق سيناء.
ـ قوات المظلات: شاركت في عمليات خاصة شرق القناة، وساهمت في تثبيت مواقع استراتيجية ومساندة قوات الصاعقة.
ـ القوات البحرية: أحكمت السيطرة على البحر الأحمر والمتوسط، وأغلقت مضيق باب المندب، مانعة وصول الإمدادات إلى إسرائيل.
ـ وحدات الإشارة والإمداد والشرطة العسكرية: ضمنت استمرارية الاتصالات بين القيادات والوحدات، نظمت حركة العبور على الكباري، وأمنت تدفق الذخيرة والمؤن طوال أيام الحرب.
ـ الأبطال الأفراد: مثل الجندي محمد عبد العاطي، صائد الدبابات، الذي دمّر وحده أكثر من 20 دبابة إسرائيلية.
الجبهة السورية والتلاحم العربي
في الوقت نفسه، شنت القوات السورية هجوماً على جبهة الجولان، وحققت تقدماً مهماً في الأيام الأولى. هذا التنسيق العربي جعل إسرائيل تواجه حرباً على جبهتين.
كما قدمت دول عربية أخرى دعمًا مباشراً:
السعودية والخليج: استخدموا النفط كسلاح سياسي بوقف تصديره للغرب الداعم لإسرائيل.
الجزائر والعراق والأردن: شاركوا بإرسال قوات وسلاح إلى الجبهتين المصرية والسورية.
الموقف الدولي
ـ الولايات المتحدة أنشأت جسراً جوياً ضخماً لدعم إسرائيل بالأسلحة والمعدات.
ـ الاتحاد السوفيتي قدّم الدعم العسكري والسياسي لمصر وسوريا.
ـ في مجلس الأمن، صدر القرار 338 بوقف إطلاق النار، تحت ضغط عالمي لتجنب اتساع نطاق الحرب.
ثغرة الدفرسوار والتحديات الأخيرة
في منتصف الحرب، تمكنت القوات الإسرائيلية من العبور إلى الضفة الغربية للقناة عبر منطقة الدفرسوار. ورغم هذا الاختراق، صمدت القوات المصرية، ونجحت في محاصرة القوات الإسرائيلية المتسللة، فيما عرف بـ “جيب الدفرسوار”.
أثبت هذا الموقف أن النصر لم يكن سهلاً، لكنه كان ثمرة إصرار الشعب المصري وصلابة جيشه.
المفاوضات واتفاقيات ما بعد الحرب
ـ بدأت المفاوضات عند الكيلو 101 بين الجانبين المصري والإسرائيلي.
ـ تم توقيع اتفاقيات فك الاشتباك عامي 1974 و1975، التي ضمنت انسحاباً إسرائيلياً مرحلياً من سيناء.
ـ مهدت الحرب الطريق لاتفاقية كامب ديفيد عام 1978، والتي استردت مصر بموجبها كامل أراضي سيناء.
ثمار النصر وانعكاساته على مصر والعالم العربي
ـ استعادة الثقة للشعب المصري بعد سنوات من الانكسار.
ـ تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر.
ـ إثبات ريادة مصر في العالم العربي، ودورها المحوري في تغيير مسار الصراع.
ـ بداية مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار، بفضل استرداد الأرض والكرامة.
خلاصة القول
أن حرب أكتوبر 1973 لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت انتصاراً حضارياً وسياسياً، رسّخ صورة مصر كأمة قادرة على تجاوز الهزائم وصناعة التاريخ من جديد. لقد أعادت هذه الحرب لمصر مكانتها العريقة بين الأمم، وأثبتت أن الحضارة المصرية ليست مجرد آثار ماضية، بل إرادة حاضرة قادرة على صنع المستقبل.
وأخيراً ستظل ملحمة أكتوبر رمزاً خالداً للشرف والبطولة، وعنواناً للفخر لكل مصري وعربي.