مقالات

السعادة طريق إلى الأمل

 

بقلم / عبد المحسن سعيد طوخي

 

خرجتُ يومًا من بيتي مهمومًا حزينًا، لا أطيق الحياة، كأنني على وشك الانتحار. فخرجتُ أبحث عن حياة جديدة، بل عن روح، بل عن دنيا جديدة. فخرجتُ وكلّي أمل، خرجتُ وأنا في عزّ محنتي، أمشي خطوة وأهرول الأخرى، وأرتاح لبرهة لأكمل المسيرة التي بدأتها لأصل إلى هدفي.

 

وعندما تعبت من اللف ومن كثرة البحث عمّا كنت أبحث عنه، فإذا بمنظر جميل يشدّ الانتباه. إننا في صحراء، لكنها ليست بجرداء، بل هو طوق أصفر بداخله مساحة خضراء، بوسطها بركة من الماء. منظر جميل خُيِّل لي كأنه عقد لؤلؤ أو ذهب، ولكنه أغلى وأجمل من كل هذا؛ لأنه من صنع الله سبحانه وتعالى.

 

فارتاح قلبي قليلًا بسبب هذا المنظر الرباني الجميل، ولكن وأنا أتأمل المنظر، فإذا بخيمة وحولها قطيع من الأغنام من بعيد، فتوجهت على الفور إليها لأرى ما بداخلها، فإذا برجل عجوز، الشيب يغطي وجهه، ولحيته بيضاء ناصعة جميلة كجمال المكان الذي يقطن به. رجل جميل الهيئة، حكيم في كلامه، مهذب في أسلوبه، كريم في ضيافته. فقرّبت منه وحيّيته، فتعالوا معنا نرَ ماذا حدث ودار بيننا:

 

الغريب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ العرب.

العجوز: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ولدي، تفضّل.

الغريب: شكرًا جزيلًا يا شيخ العرب.

العجوز: ماذا بك يا ولدي؟ أراك متعبًا منهكًا، والحزن على وجهك. فما أتى بك إلى هنا؟ فنحن أبعد بكثير عن المدينة.

الغريب: خرجتُ من بيتي لأبحث عن شيء يغيّر لي حياتي، فحياتي مليئة بالأحزان والانكسارات العاطفية.

العجوز: (ضحك وظل يضحك لفترة حتى تضايق الرجل منه)

الغريب: لماذا تضحك يا شيخ العرب؟ أهذا استهزاء بي أم بمشاعري وكلامي؟

العجوز: حاشا لله يا ولدي، ولكنني أضحك لأنك لست الوحيد الذي أسمع منه هذا الكلام، مع أن ما حدث معك هو قدر ومكتوب لك، كما هو مكتوب عند كل البشر. ولكن الحل أسهل مما تظن.

الغريب: (باستغراب) ما هو الحل؟

العجوز: فقط ابحث عن السعادة.

الغريب: (سكت لبرهة ثم قال) كيف أبحث عنها وأنا لا أعرف طريقًا؟

العجوز: بلى يا ولدي، فالسعادة قريبة منا، ولكنها بعيدة عنا!!

الغريب: (باستغراب) كيف تكون قريبة إذا كانت بعيدة؟ أنا لم أعد أفهمك يا شيخ العرب، فأنت تلقي عليّ ألغازًا لم أعرف لها حلًا! لقد شتّتَّ تفكيري، أريد أن أعرف: ما هي السعادة؟ وكيف أصل إليها؟ ولماذا هي بعيدة عنا ما دامت قريبة منا؟

العجوز: السعادة يا ولدي هي حالة إيجابية يشعر بها الإنسان من داخله، تعبّر عن الفرح والرضا والراحة.

الغريب: هل أقدر أن ألمس السعادة؟

العجوز: (ضاحكًا) السعادة يا ولدي شيء غير ملموس، ولكنه شعور داخلي، وإحساس، وقرار. فالسعادة تختلف من شخص لآخر، إنها فروق فردية لكل شخص.

الغريب: ما هي أسباب السعادة؟

العجوز: للسعادة أسباب كثيرة، منها: التقرب من الله، والرضا بالمكتوب خيره أو شره، والتسامح، والأمل، والتفاؤل، والسلام الداخلي مع النفس.

الغريب: ولماذا لم أجدها لديّ؟

العجوز: يا ولدي، السعادة كما أن لها أسبابًا للوصول إليها، أيضًا لها موانع تمنعها من الوصول إليك.

الغريب: وما هي موانع السعادة؟

العجوز: موانع السعادة يا ولدي هي: البعد عن الله، عدم الرضا، عدم الصبر، التفكير السلبي، ضعف القيم والمبادئ، والخوف من المستقبل، الذي هو بيد الله وحده، فلماذا نخاف؟

الغريب: الآن أيقنت أن السعادة بأيدينا نحن، ونحن قادرون على تحقيقها؟

العجوز: نعم يا ولدي، كل فرد منا قادر على تحقيق السعادة بطريقته الخاصة.

الغريب: إذًا السعادة هي طريق الأمل الذي كنت أبحث عنه لتجديد حياتي.

العجوز: أتمنى أن تكون قد فهمت ما قلته يا ولدي.

الغريب: أشكرك كثيرًا يا شيخ العرب على هذا الحديث الشيق، فلقد كانت رحلة جميلة جدًّا، تعلّمت منها كثيرًا. فبارك الله لك، شيخنا الفاضل، على إعطائك لي مفتاحًا من مفاتيح الحياة التي كانت غائبة عني.

 

الخلاصة:

لا تبحث عن ما هو ماضٍ، ولا تستسلم لأحزانك، بل ابحث في داخلك عن السعادة، ولا تبحث عن ما يؤذيك، ولا تبحث وراء الناس ولماذا خدعوك وكسروك، ولا تعشْ على إرضاء أحد، فلن يرضى عنك أحد مهما فعلت، ولكن ابحث عن رضا الله ثم نفسك. فقط ابحث عن السعادة بداخلك، وكيف تحققها، لكي تصل إلى مرحلة السلام الداخلي مع النفس، لكي تعيش هنيئًا طوال حياتك.

 

فدع الملك للمالك، ولا تبالِ بما يفعله الآخرون.

فعزيزي القارئ: أنت قادر على تخطي أي صعوبات في الحياة، فقط ابحث عن السعادة، فهي طريق إلى الأمل، فلا عيش بدون أمل، ولا سعادة بدون راحة بال.

 

قال تعالى في سورة هود:

“وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى